كوردى   | العربية
 
 
 
 
الرئيسة من نحن رسالتنا راسلنا
اليوم: 26-04-2024
 
 
 
الأخبار البيانات‌ المنشورات الفتاوى مواقع ذات صلة
تاريخ الكتابة: 27/05/2013 : 11:15:42
حجم فونت
الأزهر‏..‏ ووسطية الإسلام

لأستاذ الدكتور محمد عبد الفضيل القوصى *

 

لو كان الأزهر مجرد معهد علمي يجلس في ساحاته كوكبة من الأساتذة تحيط بهم ثلة من التلاميذ‏,‏ لكان في بلدان العالم ـ مشرقه ومغربه‏,‏ ما يماثله ويضاهيه‏,‏ وربما يفوقه أو يزيد عليه‏!!‏

  ولو كان الأزهر مجرد خزانة للتراث أو وعاء له‏,‏ لكان في مكتبات العالم ـ المغمورة والمشهورة ـ ما يضارعه أو يدانيه كثرة وشهرة‏!!‏

  ولو كان الأزهر مجرد اسم ذائع‏,‏ أو شهرة رائجة‏,‏ لكان في مقدور كثيرين اصطناع مثل ذلك‏,‏ أو ما هو أكثر منه‏!!‏

  إذن‏..‏ فما الذي جعل للأزهر‏,‏ هذه القامة السامقة‏,‏ والقيمة الشاهقة‏,‏ التي لم تزدد علي مر السنين إلا ارتفاعا وشموخا؟

  إنه استمساك الأزهر بميزان الاعتدال‏,‏ وتجسيده الفعال للوسطية الإسلامية‏,‏ تلك الوسطية التي تمثل نسيج الإسلام الساري في أوامره ونواهيه‏,‏ وقيمه ومقاصده‏,‏ تلك الوسطية التي كتب الله تعالي ـ بواسطتها ـ للإسلام‏,‏ الخلود والبقاء‏,‏ والشهادة علي البشرية جمعاء‏,‏ وذلك في قوله سبحانه‏(‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏).‏

بيد أن تلك الوسطية التي اؤتمن الأزهر عليها لم تكن مجرد دعوي عريضة‏,‏ أو دعاء أجوف‏,‏ بل كانت ذات تجليات رئيسة شتي‏,‏ تجاه القضايا الخطيرة الكبري في الإسلام‏:‏

  (1)‏ فمنذ أن تبلور كيان الأزهر الفكري‏,‏ كان له ـ من خلال موقفه الوسطي ـ رأي متوازن ثلاثي الأبعاد تجاه الفتنة الكبري التي حدثت في القرون الأولي للإسلام‏,‏ تتمثل أولا‏:‏ في وجوب تعظيم أقدار الصحابة رضوان الله عليهم جميعا‏,‏ والحكم القاطع بعدالتهم وبراءتهم من المطاعن والمثالب‏,‏ تمسكا بقوله صلي الله عليه وسلم‏(‏ لا تسبوا أصحابي‏)‏ و‏(‏أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم‏),‏ وتتمثل ثانيا‏:‏ في أن نكف ألسنتنا عما شجر بينهم من خلاف أو شقاق‏,‏ آخذا بالمقولة المشهورة عن السلف الصالح‏(‏ هذه أحداث أبعد الله تعالي عنها سيوفنا‏,‏ فلا نلوث بها ألسنتنا‏).‏

  وتتمثل ثالثا‏:‏ في التزام الحيطة والحذر تجاه كثير من المرويات التاريخية التي تلاعبت بها الأهواء البغيضة‏,‏ والعصبيات المقيتة‏,‏ وأن نحمل الراجح منها علي أحسن محامله‏.‏

  وبهذا الموقف الوسطي المذهبي تحدد موقف الأزهر التاريخي أمام الفرقاء‏,‏ علي نحو سمح للأزهر ـ فيما بعد ـ أن يتبني دعوة التقريب بين المذاهب‏,‏ وأن يعمل علي جمع المسلمين علي كلمة سواء‏,‏ لولا أعاصير السياسة الهوجاء التي أفسدت ما أصلحه الأزهر‏,‏ وذهبت بجهوده ـ في هذا السبيل ـ كل مذهب‏!!‏

  (2)‏ ومنذ أن تبلور كيان الأزهر الفكري‏,‏ كان له ـ من خلال موقفه الوسطي ـ رأي محدد تجاه قضية الجمع بين النقل والعقل‏,‏ فلايزال الأزهر‏,‏ ملتزما بقولة الإمام الغزالي‏:‏ لا معاداة بين مقتضيات الشرائع وموجبات العقول‏,‏ وبقولته الأخري العقل كالبصر السليم‏,‏ والقرآن والسنة كالشمس المنتشرة الضياء‏,‏ ولا غني لأحدهما عن الآخر‏.‏

  بهذا الموقف الوسطي تحدد موقف الأزهر العلمي‏,‏ فشملت علومه التراث النصي الزاخر‏,‏ كما شملت التراث العقلي الرصين‏,‏ دون أن ينثني أو ينحني أمام تيارات وافدة‏,‏ تحمل بصمات معادية للعقل الي حد التكفير‏,‏ أو أمام محاولات مقابلة تدعي العقلانية‏,‏ لكي تدخل علي نسيج الإسلام‏,‏ حداثة منفلتة‏,‏ أو علمانية مرفوضة‏.‏

  (3)‏ ومنذ أن تبلور كيان الأزهر الفكري‏,‏ تحدد موقفه الديني والشرعي تجاه محاولات الاختراق التي تحاولها جهات شتي‏,‏ فلقد احتفظ بكيانه الصلب المتماسك الرافض لمحاولات مزج الإسلام بالعلمانية‏,‏ أو لخلط الإسلام بألاعيب السياسة ومناوراتها‏,‏ أو لإلباس الإسلام أودية صحراوية متحجرة‏,‏ أصابت المجتمعات الإسلامية بالنزوع الي معاداة العقل‏,‏ والنفور من التنوع والتعددية‏.‏

  هذه التجليات اقتضت من الأزهر ـ علي مدي تاريخه الحافل ـ اختيارات حاسمة‏,‏ ومواقف صارمة‏,‏ لا يرعي فيها إلا وجه الإسلام الحق‏,‏ ووجه الحقيقة الناصعة‏!‏

  ـ فلم تكن وسطية الأزهر ـ يوما ما ـ محاولات عقيمة لاسترضاء هذا الطرف أو ذاك الطرف علي حساب الحق والحقيقة‏.‏

  ـ ولم تكن وسطية الأزهر ـ يوما ما ـ مواقف غامضة متخاذلة تجاه قضايا الإسلام الكبري التي لا تحتمل انصاف الحلول أو الاجابات الرجراجة‏!!‏

  ـ ولم تكن تلك الوسطية ـ يوما ما ـ مجرد حاصل جمع ضحل لأطراف متناقضة‏,‏ كل منها يبتغي أن يتخذ من الأزهر ظهيرا لأغراضه‏,‏ أو نصيرا لأهدافه‏,‏ بل كانت وسطية الأزهر دوما موقفا واضحا ورؤية‏,‏ نابعة من أصول الإسلام القطعية‏,‏ مستهدفة مصالح المسلمين‏,‏ الذين يؤوبون الي تلك الوسطية حين تضل بهم السبل‏,‏ أو تتفرق بهم الأهواء.

 

‏* عضو هيئة كبار العلماء- نائب رئيس مجلس إدارة الرابطة.

        Share
المقالات
پ.د.فرست مرعي
النوروز بين الخلفاء والفقهاء.. دراسة تحليلية مقارنة
د. حه‌سه‌ن خالید موفتی
لماذا اخترنا في نصاب المال لهذا العام ١٤٤٥ه =٢٠٢٤م الفضةَ دون الذهب؟ ولماذا المُصاغة منها دون التِّبر؟
دكتۆر عثمان هه‌ڵه‌بجه‌يى
ليلة النصف من شعبان
منقول
رسائل شهر شعبان
د. حه‌سه‌ن خالید موفتی
نماذج من تٲويلات الٳمام ٲحمد لآيات وٲحاديث الصفات.
د. حه‌سه‌ن خالید موفتی
(الٳمامُ الشَّافعيّ (رضي الله عنه) واستحبابُهُ قراءةَ خَتْمِ القُرآنِ علی المَيِّتِ)
منقول
الأكراد وظلم ذوي القربى
مه‌لا عه‌بدوڵلا شێركاوه‌یی
آيَةُ النَّهارِ
پ.د.فرست مرعي
القدس وأهميتها لدى الديانات السماوية الثلاث
مه‌لا عه‌بدوڵلا شێركاوه‌یی
القرآن الكريم وتأثيره على الإنسان
  التقارير

الفتوى المشتركة بين مصر والأردن وكوردستان حول جرائم داعش

رئيس إتحاد علماء كوردستان العراق لـ(الرواق ): *التطرف الأعمى لم يخترق كردستان ... كل المحاولات الخبيثة فشلت

رئيس اتحاد العلماء: القضاء على داعش لن يكون عسكريا فقط


  رسالة العلماء
عدد الزيارة : 13830389
الرئيسة من نحن رسالتنا راسلنا
جميع الحقوق محفوظة لاتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان ©            Powered by SALAYE Group