بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء الكرام، وعلمهم أحكام الشريعة المطهرة من الحلال والحرام، وأمرهم بنشرها بين كافة الأنام، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة والشريعة والجوامع من الكلام، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم القيام.
أما بعد فإننا لاحظنا أن كثيراً من أئمة الصلوات في كثير من المساجد والجوامع في محافظات إقليم كردستاننا الحبيبة المحروسة يجمعون بين صلاتين من الصلوات المكتوبات بسبب الأمطار الموسمية، وإننا نرى أن بعض الأماكن وبعض الأوقات وبعض الأمطار لا تصلح لسببية رخصة الجمع المذكور، وكثيراً من المصلين لا يتوفر فيهم الشروط التي شرطها الفقهاء المجتهدون لصحة الجمع، فلذلك توجهنا إلى التحقيق في حكم الجمع المذكور في صحاح الكتب المخرِّجة لصحاح الأحاديث النبوية، والكتب الفقهية المقارنة، فحققنا وكتبنا ما وصل إليه فهمنا، فنقدمها بإذن الله إلى الإخوة الأئمة الكرام، فنرجو منهم ومن مأموميهم تطبيق ما بيّنا لهم حول الموضوع بياناً واضحاً شرعياً، وليعلم الإخوة أن الموضوع لا تشوبه مصلحة شخصية، ولا شؤون سياسية، بل هو حكم شرعي، ليس لإحد فيه غرض سوى النصيحة العامة الإلهية، و((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) كما علّمنا سيدنا وحبيبنا a، فوفق الله بفضله الأئمة والمأمومين وإيانا لكل فعل حميد، فلنشرع في المقصود، ونقول:
اختلف الفقهاء المجتهدون وأتباعهم في حكم هذه المسألة فذهبت الشافعية إلى جواز جمع صلاتي الظهر والعصر والمغرب مع العشاء تقديماً لا تأخيراً، ودليلهم على ذلك ما أخرجه البخاري بسنده عن جابر بن زيد المكنى بأبي الشعثاء عن ابن عباس "رضي الله عنهما":(( أنَّ النبى a صلى بالمدينة سبعاً وثمانيا، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فقال أيوب: لعلّه في ليلة مطيرة؟ قال أبو الشعثاء: عسى)).
وما أخرجه الإمام مسلم من الحديث نفسه بسنده عن ابن عباس "رضي الله عنهما" قال: ((صلى رسول الله a الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر)) ، فهذان الحديثان كما ترى ليس في نصيها ما يدل على جواز الجمع بالمطر لكن الإمام مالك وأبو الشعثاء اجتهدوا في الحكم وفي تفسير الحديث، فقال مالك: (أرى ذلك في المطر) ، وأبو الشعثاء قال: (عسى)، بمعنى عسى أنْ يكون ذلك الجمع بسبب كون الليلة مطيرة، ووافقهما الإمام الشافعي في التفسير والحكم، لكن بعض أفاضل العلماء ردوا هذین التوجهین برواية لنفس الحديث المذكور، وهي ما رواه الإمام مسلم في صحيحه والإمام أبو داود في سننه بسندهما عن ابن عباس قال: ((جمع رسول الله a بالمدينة من غير خوف ولامطر)) فانتفى أنْ يكون الجمع للخوف أو السفر أو المطر، إذا فالحديث السابق الذي أخذوا منه جواز الجمع بالمطر حديث مضطرب بالروايات العديدة المختلفة وبأنواع التأويلات المتناقضة، فنرى راوي الحديث أبي الشقاء يحمل الجمع على الجمع بالمطر تارة و مرة أخرى على الجمع بالمرض تارة أخرى كما استحسنه النّووي في شرح مسلم 5/215.
وقال تعالى : ((فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)) حيث تدل هذه الآية الكريمة على أن لكل صلاة وقت خاص، فلا يجوز نقل أوقات الصلاة من أوقاتها المخصوصة بنص الآية، ونقلها بالحديث مضطرب المتن، و لا دليل له سوى هذا الحديث المضطرب، فإن ثبت حديث رسول الله أنّه جمع بالمطر يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان حينئذ في إحدى تلك الدور البعيدة، ولما علم أن الحكم بجواز الجمع بالمطر كان حكماً اجتهادياً ليس عليه نص قطعي يحدد لنا كيفية الجمع المذكور ينبغي علينا أن نتبع المجتهدين الذين استنبطوا الحكم المذكور في تحديد نوع الجمع تقديماً وتأخيراً ليلاً أو نهاراً، وفي الشروط التي شرطوها لصحة الجمع وغير ذلك.
لذا يجب علينا أنْ نقول بأنَّ هذه المسألة مسألة خلافية و رعاية الخلاف والإبتعاد عنه أمر مستحسن جداً، ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ))، وعلينا أنْ نؤدي صلاتنا في أوقاتها المخصوصة عملاً بوفق الآية وأنْ نترك الجمع بالمطر... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
اللجنة العليا للإفتاء في إقليم كوردستان
19/2/2016