حق الكورد في تقرير مصيرهم

 

                          الدكتور عبدالله الشيخ سعيد الكوردي

                                 رئيس إتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس مسعود البارزاني للولايات المتحدة الكثير من الجدل في شأن إعلان إقامة دولة كوردية، وازداد ذلك بعد التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء هنغاريا عقب لقائه برئيس إقليم كوردستان،حول دعم  الشعب الكوردي في طريقه إلى الإستقلال، فتعالت الأصوات مرة أخرى من هنا وهناك حول عدم مشروعية ما يقوم به الكورد وقيادته السياسية الحكيمة من إتخاذ الخطوات اللازمة لإستقلال بلادهم.

إنَّ تخطي الكورد نحو الإستقلال و تقرير المصير لم يأت عبثاً،وإنَّما جاء عقب نضالٍ و كفاح مستمرين طيلة الأعوام الماضية،وبالأخص بعد 2003وانطلاق العملية السياسية والدستورية في عراق ما بعد صدّام التي شكّل الكورد فيها عنصراً مؤسّساً أساسياً لإعادة بناء العراق الجديد، فالرئيس البارزاني وبحكمته ودوره السياسي في عراق مابعد صدام أضحى ضمانة لإستقرار العراق وبناء مستقبل زاهر لأبنائه،وتجلى ذلك واضحاً على مدى الأعوام المنصرمة منذ تحرير العراق وحتى الأزمة السياسية الراهنة و ظهور داعش و المحاولات المستمرة في منع إنحراف مسار العملية الديمقراطية في العراق وبروز دكتاتورية جديدة، بعد أنْ أنهى شعب العراق بكافة أطيافه حقبة سوداء للدكتاتورية المقيتة، وإختار الديمقراطية والتعددية والفيدرالية نظاماً جديداً لإدارة شؤون البلاد، إلا أنَّه بات واضحاً كضوء النهار أنَّ محاربة الكورد ما زالت مستمرة،وأنَّ هناك من ينظر إلى الكورد بعين السخرية و الحماقة،و لا يعترف بحقوقهم السياسية و الإقتصادية، ومستمرين في ممارسة كافة أنواع السياسات الفاشلة التي مارسها الأنظمة السابقة.

 في الوقت نفسه يجب علينا أنْ ندرك جيدا أنَّه لا يوجد مانع شرعي و لا نص إسلامي من أنْ يتمتع الشعب الكوردي بإقامة دولته المستقلة،أسوة بأخواتها من الشعوب و الملل الأخرى، ولايمكن أنْ يحول الإسلام دون ذلك،ولاسيَّما مع وجود دول كثيرة ذات غالبية إسلامية في العالم،بل يجب أنَّ نعتقد تماماً أنَّ كل من يعيق تلك الخطوات من الدول و القوى والأشخاص فهو آثمٌ شرعاً،لأنَّ حق التمتع بالإستقلال من إحدى النعم التي أنعم الله تعالى على عباده،ولا يمكننا أنْ نقف في هذه العجالة و نتكلم بوضوح عن الرؤية القرآنية و الشرعية لحق تقرير المصير للشعوب و الملل، إلا أنني أريد أنْ أقف وقفة سريعة وصريحة مع بعض القوميين العرب الذين ينادون باسم الإسلام زوراً وبهتاناً مستهدفين في ذلك النيل من الشعب الكوردي في تقرير مصيره، و لايرون وجود أكثر من عشرين دولة عربية كلها صنيعة السياسات و المصالح،ومع ذلك ينكرون على الكورد حقهم من تقرير مصيرهم ...

 فأقول لهم: إذا كان إعلان إستقلال كوردستان إنفصالاً عن الأمة الإسلامية وتجزئةً للمجزء،فأنتم السلف ونحن الخلف في ذلك!!!فإنْ كان أمركم حسناً فها نحن نقتدي بكم،وإنْ كان ظلماً فأنتم بدئتم به، والباديء أظلم،ونحن لا نظلم،بل نتظلم.

وهل هناك نصٌ صريح من الكتاب و السنة يفيد بعدم جواز تشكيل دولة كوردية على أرض كوردستان؟ إلى متى تنظرون بنظرة الإستعلاء إلى الكورد؟ كيف يمكن لكم إستعباد الكورد واستبعادهم عن الحكم وإدارة شؤونهم و الإستفادة من خيراتهم و ثرواتهم؟ ماهو مستندكم الشرعي لمزاعمكم الباطلة؟

كل ذلك أسئلة مطروحة ينبغي للمثقفين العرب و أهل العلم الإجابة عنها، قبل إطلاق الدعوات ضد حق تقرير المصير لشعب كوردستان.