تطبيقات عملية لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ))

تطبيقات عملية لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)). حَدِيثٌ حَسَنٌ أخرجه التِّرْمِذِيُّ وابن ماجه.

 

    يُعد هذا الحديث النبوي قاعدة عظيمة في تهذيب النفس، وتزكية السلوك، وتقويم العلاقات، إذ يبيّن أن كمال الإسلام يتحقق بانشغال المسلم بما ينفعه، وإعراضه عما لا يعود عليه بفائدة في دينه أو دنياه.

وانطلاقًا من هذا التوجيه النبوي، يمكننا أن نُطبّق هذا الحديث في حياتنا اليومية بعدة صور، منها:

1-         في الكلام:

    لا يخوض المسلم في أحاديث لا تعنيه، كالقيل والقال، والجدال العقيم، وتتبع أخبار الناس، بل يحرص على أن يكون كلامه نافعًا، قليلًا، موزونًا، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)).

2-         في وسائل التواصل:

    ينبغي للمسلم ألا يُضيّع وقته في متابعة تفاصيل حياة الآخرين، أو في تتبع كل خبر أو منشور، بل يحرص على أن يكون وجوده الرقمي وسيلة لذكر الله، ونشر العلم، وتطوير النفس.

3-         في العلاقات:

    من تمام الحكمة ألا يتدخل المرء في خصوصيات غيره، ولا يحكم على نواياهم، بل ينشغل بإصلاح نفسه، وتحسين خلقه، وتزكية قلبه. فكلما انشغل العبد بعيوبه، قلّ حديثه عن الناس، وسَلِم قلبه ولسانه.

    لذلك، فالعاقل لا يضيع وقته فيما لا يعنيه، ولا يترك ما يعنيه، فإن فعل، فقد فرّط في حق نفسه وضيعها. وقد ذكر العلماء أن من علامات سخط الله على العبد أن يشغله بما لا يعنيه، خذلانًا له.

ويُروى أن رجلًا جاء إلى لقمان الحكيم، وكان الناس يأخذون عنه الحكمة، فقال له:

– ألست كنت عبدًا لبني فلان؟

– قال: نعم.

– ألست كنت ترعى الغنم في جبل كذا؟

– قال: نعم.

– قال: فما بلغ بك ما أرى الآن؟

– قال: "قدرُ الله، وصدقُ الحديث، وتركُ ما لا يعنيني."

     لقد كان عبدًا مملوكًا يرعى الغنم، لكنه تخلق بأخلاق العارفين، فبلغ الحكمة، مصداقًا لقوله تعالى: [وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ] [ البقرة: 269].

وينبغي أن يُعلم أن الضابط في معرفة ما يعني وما لا يعني هو الشرع، لا مجرد الهوى أو الذوق الشخصي. فرب أمرٍ يبدو صغيرًا، لكن الشرع يُعليه، وربما ما نراه مهمًا يكون في حقيقته فضولًا لا طائل تحته.

فاللهم ارزقنا حسن الإسلام، واجعلنا ممن يتركون ما لا يعنيهم، واملأ أوقاتنا بما تحب وترضى.