لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا

abdalmodrs@gmail.com 

بسم الله الرجمن الرحيم

    الحمدلله والصلاة والسلام على خير خق الله الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:  

فإن حدث الإسراء والمعراج يعتبر حدثاً مهما وكبيراً من أحداث الدعوة الإسلامية، سبقته البعثة، وجاءت بعده الهجرة. الأحداث الثلاثة التي مرت بها الدعوة الإسلامية. من بعثة النبي(صلى الله عليه وسلّم)، الى حادثة الإسراء ثم حادثة الهجرة. ارست لدعائم الدعوة الاسلامية المباركة تجلت فيها العناية الالهية والمدد الرباني ....

ومن المعلوم أن النبي(صلى الله عليه وسلّم) بعد جهره بالدعوة عاداه قومه، و اوذية ايذائا شديدا، وكان(صلى الله عليه وسلّم) بأشد الحاجة إلى الحماية من الكفار والمشركين، والمواساة ، فالله سبحانه وتعالى هيأء له في بيت خديجة(رضي الله عنها) التى كانت تبدى له العناية على متاعبه من حركة الحياة التي يحياها، وكان أبو طالب عمه يحميه من أذى الكفار، وكان كفر أبي طالب سببا من الأسباب التي جعلت الكفار يجاملونه بعض المجاملة، وقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وسلّم) هيأت لة الحماية منهم، فكأن الحق سبحانه وتعالى هيأ لحمايته(صلى الله عليه وسلّم) ولنصرته مصدراً أيمانياً و كفرياً: ففي البيت كانت خديجة، وخارجه كان أبو طالب فحين يكون هذا المصدران بجوار رسول الله(صلى الله عليه وسلّم) تكون حياته في الخارج مكفولة الحماية بسبب عمه، وفي الداخل مكفولة الأمن والاطمئنان الاستقرار والهدوء بزوجته.

شاء أمر الله سبحانه وتعالى بوفاة زوجته في العام الذي يموت فيه عمه أبو طالب، وهنا فقد الحماية الداخيلية والخارجية، ومع ان النبي(صلى الله عليه وسلّم) كان يعلم  أن الله لا يسلمه إلا أنه مع ذلك أخذ يعمل فكره  ويعمل بصيرته، ويخطط لينطلق بالدعوة واخذ بالأسباب البشرية التي يقدر عليها، فما كان منه في الجو الخانق في مكة إلا أن يلتمس منطلقاً للدعوة لعله يجد نصيراً خارجياً، فقام برحلته إلى الطائف، معتقداً أنه سيجد النصير، ولكنه وجد خلاف ما اعتقد، وحدث أنهم آذوه بالقول، وآذوه بالفعل واضطهدوه. وسلطوا عليه سفهاءهم حتى أدموا عقبيه، فوقف موقفه الضارع إلى الله سبحانه وتعالىى بعد أن فقد أسباب البشر، فقال في دعاءه : (اللهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟، إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانًا عَلَيَّ، فَلَا أُبَالِي، إِنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمَرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ) أخرجه الطبراني برقم (14764). ورجاله ثقات قاله الهيثمي في مجمعه.

دعاء فيه كل مقومات الإيمان واليقين، لأن الله الذي أرسله لن يخذله، يبين الله سبحانه وتعالى  له جفاء الأرض، لايعني أن السماء تخلت عنك، لكني سأعوضك عن جفاء الأرض بحفاوة السماء، وعن جفاء عالم الناس بعالم الملأ الأعلى، وأريك من أياتي، وقدرتي ، وعظمتي، ومن أسراري كوني، ان الله الذي أراك هذه الآيات قادر على ان ينصرك، ولن يتخلى عنك، ولكن الله تركك للأسباب أولاً لتجتهد فيها حتى تكون أسوة في ألا تدع الأسباب وترفع أيديها إلى السماء.

شاء الله سبحانه وتعالى ان يجعل لرسوله رحلة علوية حتى يثبت له تكريمه، وحتى يثبت له أن في السماء عوضاً عن كل فاقد، وأن الملكوت سيحتفى به حفاوة يمسح عنه كل عناء هذه المتاعب.

هذا الحدث العظيم يتكلم عنه القرآن فلا داعي للإنسان البحث عنه؛ لأن القرآن هو عمدتنا في توثيقه، فليس علينا إلا أن نؤمن به؛ ولأنه ورد من الله عزّ وجلّ حيث قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

أستهل الله هذه الآية المباركة بقوله (سبحان) فكل مسمع يسمع هذه الكلمة يعطيه قوة وشحنة إيمانية، وتبعد عنه كل شبه المقارنة التي تأتي بين قانون المادة الأرضى الإنساني البشري، وبين قانون الله، فمعنى(سبحان الله)  يعني أنه منزه من ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، إذاً فيجب أن ننزه الله من قوانين البشرية، فهو (الذي أسرى)به (من المسجد الحرام) ونهايته (إلى المسجد الأقصى)ثم قال العلة،(لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)، ثم بعد ذلك قال العلة الدافعة لذلك، لماذا نريه من آياتنا؟(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سميع لماذا؟ وبصير لماذا؟ كان من الممكن أن يقول على نسق أساليب البشر. بعد أن يريه الآيات، ......و......، أن الله على كل شيء قدير، ان الله وهاب، أن الله كذا، أما ان يأتي بأنه (هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فهذا ليدلك على العلة الحقيقية التي أستوجب ان يسري الله سبحانه وتعالى برسوله(صلى الله عليه وسلّم) ، فقد سمع الله الإيذاء الذي أوذى به رسوله(صلى الله عليه وسلّم) وقد رأى الله ما تعرض له من الجفاء والاستهزاء، ومن السخرية، ومن الإهانة، كل ذلك بمرآى ومسمع من الله، فحين رأى الله ذلك وسمع، أراد أن يريه الآيات، فأسرى به.

 

المصدر:

القرآن الكريم معجزة ومنهاج، للشيخ محمد متولى شعراوي.